فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى بعد ذلك المانع الدنيوي مع أنه لا ينبغي أن يكون مانعًا ليس بموجود أيضًا حيث أنتم الأعلون والأعلون والمصطفون في الجمع حالة الرفع معلوم الأصل. ومعلوم أن الأمر كيف ال إلى هذه الصيغة في التصريف. وذلك لأن أصله في الجمع الموافق أعليون ومصطفيون فسكنت الياء لكونها حرف علة فتحرك ما قبلها والواوكانت ساكنة فالتقى ساكنان ولم يكن بد من حذف أحدهما أوتحريكه والتحريك كان يوقع في المحذور الذي اجتنب منه فوجب الحذف. والواوكانت فيه لمعنى لا يستفاد إلا منها وهو الجمع فأسقطت الياء وبقي أعلون. وبهذا الدليل صار في الجر أعلين ومصطفين. وقوله تعالى: {والله مَعَكُمْ} هداية وإرشاد يمنع الملكف من الإعجاب بنفسه. وذلك لأنه تعالى لما قال: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} كان ذلك سبب الافتخار فقال: {والله مَعَكُمْ} يعني ليس ذلك من أنفسكم بل من الله. أونقول لما قال: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ} فكان المؤمنون يرون ضعف أنفسهم وقلتهم مع كثرة الكفار وشوكتهم وكان يقع في نفس بعضهم أنهم كيف يكون لهم الغلبة فقال إن الله معكم لا يبقى لكم شك ولا ارتياب في أن الغلبة لكم وهذا كقوله تعالى: {لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي} [المجادلة: 21] وقوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 173] وقوله: {ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم} وعد آخر وذلك لأن الله لما قال إن الله معكم. كان فيه أن النصرة بالله لا بكم فكان القائل يقول لم يصدر مني عمل له اعتبار فلا أستحق تعظيمًا. فقال هو ينصركم ومع ذلك لا ينقص من أعمالكم شيئًا. ويجعل كأن النصرة جعلت بكم ومنكم فكأنكم مستقلون في ذلك ويعطيكم أجر المستبد. والترة النقص. ومنه الموتر كأنه نقص منه ما يشفعه. ويقول عند القتال إن قتل من الكافرين أحد فقد وتروا في أهلهم وعملهم حيث نقص عددهم وضاع عملهم. والمؤمن إن قتل فإنما ينقص من عدده ولم ينقص من عمله. وكيف ولم ينقص من عدده أيضًا. فإنه حي مرزوق. فرح بما هو اليه مسوق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ولنبلونكم} أي نتعبّدكم بالشرائع وإن علمنا عواقب الأمور.
وقيل: لنعاملنكم معاملة المختبرين.
{حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} عليه.
قال ابن عباس: {حَتَّى نَعْلَمَ} حتى نميّز.
وقال عليّ رضي الله عنه.
{حَتَّى نَعْلَمَ} حتى نرى.
وقد مضى في (البقرة).
وقراءة العامة بالنون في {نَبْلُوَنَّكُمْ} و{نعلم} و{نَبْلُوَ}.
وقرأ أبو بكر عن عاصم بالياء فيهنّ.
وروى رُوَيس عن يعقوب إسكان الواومن {نبلو} على القطع مما قبل.
ونصب الباقون ردًّا على قوله: {حَتَّى نَعْلَمَ}.
وهذا العلم هو العلم الذي يقع به الجزاء؛ لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم.
فتأويله: حتى نعلم المجاهدين علم شهادة؛ لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا. فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة.
{وَنَبْلُوأَخْبَارَكُمْ} نختبرها ونظهرها.
قال إبراهيم بن الأشعث: كان الفُضيل بن عِياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبتلينا فإنك إذا بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرسول مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}.
يرجع إلى المنافقين أو إلى اليهود.
وقال ابن عباس: هم المطعمون يوم بدر.
نظيرها: {إِنَّ الذين كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ الله} [الأنفال: 36] الآية.
{وَشَاقُّواْ الرسول} أي عادوه وخالفوه.
{مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} أي علموا أنه نبيّ بالحجج والآيات.
{لَن يَضُرُّواْ الله شَيْئًا} بكفرهم.
{وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} أي ثواب ما عملوه.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسول ولا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}.
فيه مسألتان:
الأولى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول} لما بيّن حال الكفار أمر المؤمنين بلزوم الطاعة في أوامره والرسول في سننه.
{ولاَ تبطلوا أَعْمَالَكُمْ} أي حسناتكم بالمعاصي؛ قاله الحسن.
وقال الزُّهْرِي: بالكبائر.
ابن جريج: بالرياء والسمعة وقال مقاتل والثُّمَالِيّ: بالمَنّ؛ وهو خطاب لمن كان يمنّ على النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه.
وكله متقارب. وقول الحسن يجمعه.
وفيه إشارة إلى أن الكبائر تحبط الطاعات. والمعاصي تخرج عن الإيمان.
الثانية احتج علماؤنا وغيرهم بهذه الآية على أن التحلل من التطوّع صلاةً كان أوصومًا بعد التلبس به لا يجوز؛ لأن فيه إبطال العمل وقد نهى الله عنه.
وقال من أجاز ذلك وهو الإمام الشافعي وغيره: المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض؛ فنهى الرجل عن إحباط ثوابه.
فأمّا ما كان نفلًا فلا؛ لأنه ليس واجبًا عليه.
فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه.
ووجه تخصيصه أن النفل تطوّع. والتطوّع يقتضي تخييرًا.
وعن أبي العالية كانوا يرون أنه لا يضر مع الإسلام ذنب؛ حتى نزلت هذه الآية فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال.
وقال مقاتل: يقول الله تعالى إذا عصيتم الرسول فقد أبطلتم أعمالكم.
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (34)}.
بيّن أن الاعتبار بالوفاة على الكفر يوجب الخلود في النار.
وقد مضى في (البقرة) الكلام فيه.
وقيل: إن المراد بالآية أصحاب القَليب.
وحكمها عام.
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ولنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {فَلاَ تَهِنُواْ} أي تضعفوا عن القتال.
والوهْن: الضعف.
وقد وَهَن الإنسان ووهَنَهُ غيره. يتعدّى ولا يتعدّى.
قال:
إنني لست بموهونٍ فَقِرْ

ووهِن أيضًا (بالكسر) وَهْنًا أي ضعف. وقرىء {فما وهُنُوا} بضم الهاء وكسرها.
وقد مضى في (آل عمران).
الثانية قوله تعالى: {وتدعوا إِلَى السلم} أي الصلح.
{وَأَنتُمُ الأعلون} أي وأنتم أعلم بالله منهم.
وقيل: وأنتم الأعلون في الحجة.
وقيل: المعنى وأنتم الغالبون لأنكم مؤمنون وإن غلبوكم في الظاهر في بعض الأحوال.
وقال قتادة: لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها.
الثالثة واختلف العلماء في حكمها؛ فقيل: إنها ناسخة لقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} [الأنفال: 61]؛ لأن الله تعالى منع من الميل إلى الصلح إذا لم يكن بالمسلمين حاجة إلى الصلح.
وقيل: منسوخة بقوله تعالى: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} [الأنفال: 16].
وقيل: هي محكمة.
والآيتان نزلتا في وقتين مختلفي الحال.
وقيل: إن قوله: {وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فاجنح لَهَا} مخصوص في قوم بأعيانهم. والأخرى عامة.
فلا يجوز مهادنة الكفار إلا عند الضرورة؛ وذلك إذا عجزنا عن مقاومتهم لضعف المسلمين.
وقد مضى هذا المعنى مستوفى.
{والله مَعَكُمْ} أي بالنصر والمعونة؛ مثل: {وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} [العنكبوت: 69]: {ولن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينقصكم؛ عن ابن عباس وغيره.
ومنه الموتور الذي قتل له قتيل فلم يدرك بدمه؛ تقول منه: وَتَره يَتِره وَتْرًا وَتِرَةً.
ومنه قوله عليه السلام: «من فاتته صلاة العصر فكأنما وَتَرَ أهله وماله» أي ذهب بهما.
وكذلك وَتَرَهُ حقّه أي نقصه.
وقوله تعالى: {ولن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} أي لن ينتقصكم في أعمالكم؛ كما تقول: دخلت البيت؛ وأنت تريد في البيت؛ قاله الجوهريّ.
الفرّاء: {ولنْ يَتِرَكُمْ} هو مشتق من الوتر وهو الفرد؛ فكان المعنى: ولن يفردكم بغير ثواب. اهـ.

.قال الألوسي:

{ولنبلونكم}.
بالأمر بالجهاد ونحوه من التكاليف الشاقة {حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين} على مشاق التكاليف علمًا فعليًا يتعلق به الجزاء. وفي معناه ما قيل: أي حتى يظهر علمنا. وقال ابن الحاجب في ذلك: العلم يطلق باعتبار الرؤية والشيء لا يرى حتى يقع يعني على المشهور وهو هنا بمعنى ذلك أوبمعنى المجازاة. والمعنى حتى نجازي المجاهدين منكم والصابرين {وَنَبْلُوأخباركم} فيظهر حسنها وقبيحها. والكلام كناية عن بلاء أعمالهم فإن الخبر حسنه وقبيحه على حسب المخبر عنه فإذا تميز الحسن عن الخبر القبيح فقد تميز المخبر عنه وهو العمل كذلك. وهذا أبلغ من نبلوأعمالكم. والظاهر عموم الأخبار. وجوز كون المراد بها إخبارهم عن إيمانهم وموالاتهم للمؤمنين على أن إضافتها للعهد أي ونبلوأخبار إيمانكم وموالاتكم فيظهر صدقها وكذبها.
وقرأ أبو بكر الأفعال الثلاثة المسندة إلى ضمير العظمة بالياء. وقرأ رويس {وَنَبْلُوَ} بالنون وسكون الواو. والأعمش بسكونها وبالياء فالفعل مرفوع بضمة مقدرة بتقدير ونحن نبلو والجملة حالية. وجوز أن يكون منصوبًا كما في قراءة الجمهور سكن للتخفيف كما في قوله:
أبى الله أن أسمو بأم ولا أب

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرسول مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)}.
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ} الناس {عَن سَبِيلِ الله وَشَاقُّواْ الرسول} صاروا في شق غير شقه. والمراد عادوه {مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى} لما شاهدوا من نعته عليه الصلاة والسلام في التوراة أوبما ظهر على يديه صلى الله عليه وسلم من المعجزات ونزل عليه عليه الصلاة والسلام من الآيات وهم بنوقريظة والنضير أو المطعمون يوم بدر وقد تقدم ذكرهم. وقيل: أناس نافقوا بعد أن آمنوا {لَن يَضُرُّواْ الله} بكفرهم وصدهم {شَيْئًا} من الأشيئاء أوشيئًا من الضرر أولن يضروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بمشاقته شيئًا؛ وقد حذف المضاف لتعظيمه عليه الصلاة والسلام بجعل مضرته وما يلحقه كالمنسوب إلى الله تعالى وفيه تفظيع مشاقته صلى الله عليه وسلم.
{وَسَيُحْبِطُ أعمالهم} في مكايدهم التي نصبوها في إبطال دينه تعالى ومشاقة رسوله عليه الصلاة والسلام فلا يصلون بها إلى ما كانوا يبغون من الغوائل ولا تثمر لهم إلا القتل والجلاء عن أوطانهم ونحوذلك. وجوز أن يراد أعمالهم التي عملوها في دينهم يرجون بها الثواب.
{يا أيها الذين ءآمنوا أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم}.
قيل: إن بني أسد أسلموا وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: قد اثرناك وجئناك بنفوسنا وأهلنا كأنهم منوا بذلك فنزلت فيهم هذه وقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} [الحجرات: 17] ومن هنا قيل المعنى لا تبطلوا أعمالكم بالمن بالإسلام. وعن ابن عباس بالرياء والسمعة وعنه أيضًا بالشك والنفاق. وقيل: بالعجب فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وقيل: المراد بالأعمال الصدقات أي تبطلوها بالمن والأذى. وقيل: لا تبطلوا طاعاتكم بمعاصيكم. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة أنه قال في الآية: من استطاع منكم أن لا يبطل عملًا صالحًا بعمل سوء فليفعل ولا قوة إلا بالله تعالى.
وأخرج عبد بن حميد ومحمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} فخافوا أن يبطل الذنب العمل. ولفظ عبد بن حميد فخافوا الكبائر أن تحبط أعمالهم. وأخرج ابن نصر وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: كنا معاشر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم نرى أنه ليس شيء من الحسنات إلا مقبو لا حتى نزلت {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرسول ولا تُبْطِلُواْ أعمالكم} فلما نزلت هذه الآية قلنا: ما هذا الذي يبطل أعمالنا؟ فقلنا: الكبائر الموجبات والفواحش فكنا إذا رأينا من أصاب شيئًا منها قلنا: قد هلك حتى نزلت هذه الآية {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48] فلما نزلت كففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا أحدًا أصاب منها شيئًا خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئًا رجونا له. واستدل المعتزلة بالآية على أن الكبائر تحبط الطاعات بل الكبيرة الواحدة تبطل مع الإصرار الأعمال ولوكانت بعدد نجوم السماء. وذكروا في ذلك من الأخبار ما ذكروا.
وفي (الكشف) لابد في هذا المقام من تحرير البحث بأن يقال: إن أراد المعتزلة أن نحوالزنا إذا عقب الصلاة يبطل ثوابها مثلًا فهذا لا دليل عليه نقلًا وعقلًا بل هما متعادلأن على ما دل عليه صحاح الأحاديث. وكفى بقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقال ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7. 8] حجة بالغة. وإن أرادوا أن عقابه قد يكبر حتى لا يعاد له صغار الحسنات فهذا صحيح والكلام حينئذٍ في تسميته أحباطًا. ولا بأس به لكن عندنا أن هذا الإحباط غير لازم وعندهم لازم. وهو مبني على جواز العفو وهي مسألة أخرى. وأما الكبيرة التي تختص بذلك العمل كالعجب ونحوالمن والأذى بعد التصدق فهي محبطة لا محالة اتفاقًا. وعليه يحمل ما نقل من الآثار. ومن لا يسميه إحباطًا لأنه يجعله شرطًا للقبو ل والإحباط أن يصير الثواب زائلًا وهذا لا يتأتى إذا لم يثبت له ثواب فله ذلك. وهو أمر يرجع إلى الاصطلاح انتهى وهو من الحسن بمكان؛ وإعادة الفعل في {وَأَطِيعُواْ الرسول} للاهتمام بشأن إطاعته عليه الصلاة والسلام.